الاثنين، 18 مارس 2013

اختناق السعادة


اختناق السعادة

  
كم تبدو الحياة تافهة مهما كان بريقها الخادع! وكم هى قصيرة مهما طالت، وكم نرغبها وهى «تعب»!.. لكننا - كما يقول المتنبى - «ومن راغب فى ازدياد»، وكم نجرى وراء سراب نحسبه ماء، فإذا به صحراء جرداء! ويوم قال يوسف السباعى «العمر لحظة» كان محقاً، وأحسب أنه كان يصف السعادة حين تتسرب إلى مسام العقل والقلب، يقال عنها «النشوة»، لكن يوسف السباعى ضاع فى لحظة، «ذهب» شهيداً فى لحظة برصاص غادر، والإنجليز يقولون عن الميت passed away، وبالمثل ذهب ثوار فى ميدان التحرير بقنابل خانقة فى لحظة، أطبق دخانها على عنق نشوتهم وصاروا شهداء «أحياء عند ربهم»، والفكر المسيحى يقول: «الميت انتقل من الموت إلى الحياة الأبدية»،

لقد ذهب طبيبى ملاك بطرس، طبيب القلب فى لحظة بنوبة قلب فى ملعب تنس، وكان ينصحنى بالرياضة التى تمنح الإنسان سعادة - فى رأيه - وتطيل عمره! وذهب خبير التنمية البشرية الشهير إبراهيم الفقى فى لحظة باختناق من دخان حريق شب فى بيته، أى اخترق ثانى أكسيد الكربون الرئة ودخل فى الدم، ومنع وصوله إلى خلايا الجسم، ومات الرجل الذى كان يبشر بالسعادة ويردد فى كل محاضراته: «اخرج إلى الطبيعة، فهى أحن علينا من سجن النفس». حياة الإنسان عبثية وأقرب ما تكون إلى لوحة سيريالية، ويفارق الحياة بعد عمر «مكتوب ع الجبين» ويترك فى القلب غصة، وفى العين دمعة، هذه الحياة العبثية حرضت يوسف السباعى، ليكتب قصة بعنوان «أبصق على دنياكم»!

 إن كثيرين يتصورون أن السلطة والمال والقصور والأبهة والجاه، هى «سفينة نوح» التى تنجيهم من الغرق، مع أنه ليس ببعيد أن «تذهب» السفينة فى لحظة إلى القاع وتغرق، إنهم يتصورون أن السلطة باقية أزلية، مع أنه لم يكن بعيداً أن «تهب ثورة» تقضى على كل هذا الصولجان، ثورة هى «الربيع» لشعوبها، وهى «الخريف» للسلطة والجاه. خلال رحلة الحياة، نتراشق ونتشاتم ونخوِّن ونتصارع ونتقاتل من أجل مغانم ومكاسب، وكأننا نحتشد ونحتمى خلفها من نهايات لا نتوقعها ولا تخطر بخيالنا ولا تراها بصيرتنا.. مع أننا «نعايش» الموت كل لحظة ولا ندرى، وينام معنا فوق السرير ولا ندرى، ويختبئ فى الشرايين والأوردة ولا ندرى. هذه النهايات المفاجئة دروس بليغة، ولكن أحداً لا ينتبه إلى أن فناء المجد فى طيات المجد!

إنهم يعيشون «ثقافة الغفلة» فلا أحد يفكر فى الغد، ولا أحد يشغله هذا الغد المقبل لا محالة. إنهم يعيشون اللحظة حتى النخاع، ولا ينظرون إلى المستقبل، وربما يقلدون الإغريق حين كانوا يتسلقون الأسوار العالية لكى يروا الأفق البعيد! طلاب الجاه ومجد ووهج السلطة فى كل زمان ومكان يدورون حول أنفسهم فى خيلاء، مسحورون داخل دوائر ملونة، نسوا أن من بينها اللون الأحمر، لون النار، وسحب الدخان التى تشبه الرمال المتحركة، تسحبك إلى داخلها وتطويك.

إن أسوأ اللحظات فى حياة الشعوب حين «يغيب» وعيها و«تُشل» العقول ويعيش الوطن «حادث خيانة»، ويسقط الشباب قتلى لا فى معركة مع عدو، إنما فى معركة خبيثة ضد الوطن وبأيدى أبنائه فى استاد اختنقت روحه الرياضية، وأعلنت وفاتها.

ذلك المشهد الذى يقطر حزناً ومرارة، واقترفه «أعداء الحياة»، أنهى حياة كاتب مهموم بالبلد فى لحظة، إذ جحظت عيناه وهو لا يصدق ما رآه، وكان أن كفّ قلبه عن الخفقان.. ذهب «جلال عامر»، الكاتب الساخر، فلم يحتمل قلبه أن يرى «حرباً بين مصريين ومصريين»، ولم تشفع له سخريته، ولم تمنع عطباً يصيب القلب المذبوح من الوريد إلى الوريد، فهل نستورد شعباً لأن الشعب «مغيب» لا يعرف الصالح من الطالح، ولا العدو من الصديق، ولا الرياضة من الثأر، ولا التشجيع من التدمير؟! هل نسأل نجيب محفوظ، «صاحب الثلاثية» ماذا جرى لنا؟ هل ندق على قبر د. جمال حمدان، صاحب «عبقرية مصر»، ونسأله عن تحريف أصاب الشخصية المصرية؟! هل يعرف د. سيد عويس، صاحب «هتاف الصامتين»، أسرار أحوالنا ومدى تأثير سنوات القمع الطويلة؟ هل يبكى علم مصر ولا نسمع نحيبه؟! عفواً، قد أبدو متشائماً، شحيح التفاؤل، لكن التشاؤم لا يعنى كراهية الحياة بل محاولة الفهم و.. الدفاع عنها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites