بعيداً عن ثورة الاتصالات الكونية والفضائيات والموبايلات والفيس بوك وحتى التليفون الأرضى والصحف.. بعيداً عن كل وسائل التواصل بين المصريين وفى عام 1798 جاءت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون ورست السفن فى العجمى وسارت الحملة مترجلة إلى الإسكندرية ووقف نابليون عند عمود السوارى ناظراً إلى قلاع وأسوار المدينة، فوجدها مكللة بحشود من أهل الإسكندرية رجالا ونساء يحملون السلاح لمقاومة هذا المحتل الذى لا يعرفون عنه شيئاً سوى أنه جاء لبلادهم غاصباً.. وقامت المعركة وانتصرت مدافع الفرنسيين وقتلوا الكثيرين من أهل الإسكندرية وقتل منهم أيضاً الكثيرون.. ودخل الجنود إلى الجهات الآهلة بالسكان فوجدوا مقاومة شديدة فهاجموا الناس فى بيوتهم فقاوم أهل الإسكندرية من منازلهم بالرصاص.. وسار نابليون نفسه فى حارة صغيرة ومعه سكرتيره وإذا بسيل من الرصاص ينهمر فوقهم وكادت رصاصة تصيب نابليون نفسه ونظروا فوجدوا نافذة أعلى أحد المنازل يطلق منها الرصاص فتقدم الجنود وهاجموا المنزل فوجدوا رجلاً وزوجته يحملان البنادق وقتلوهما.
وبعد استقرار نابليون فى القاهرة ومحاولاته العديدة للتقرب من المصريين بحجة أنه جاء لتخليص مصر من المماليك القتلة اللصوص الذين ينهبون خيرات الشعب بالضرائب الباهظة والظلم والقسوة إلى آخره وما إن استتبت له الأمور حتى بدأ يفرض الضرائب بشكل فاق كل ما فعله المماليك حتى إنه قبض على نساء المماليك الهاربين وطلب منهم فدية مالية.. وعندما بدأ التذمر واجه الناس بالقتل والاعتقال وكان الأمر أن يقتلوا بعض الأفراد ويقطعوا رؤوسهم ويسيروا بها فى الشوارع لإشاعة الرعب والخوف واكتشف المصريون أن ما يقوله هذا المحتل كذب فى كذب وأنه جاء للاحتلال وسرعان ما لجأ الناس إلى الأزهر الشريف معقل العلماء وسادة المحروسة وبدأ علماء الأزهر يحثون الناس على الثورة العامة وانتشرت فى شوارع القاهرة من شارع إلى شارع ومن حارة إلى حارة وقتل الثوار جنرال «ديبوى» بعد أن حاصره الأهالى فى زقاق بالقرب من «بين القصرين» وقذفت النساء الطوب والحجارة من أعلى المنازل ولم يستطع الجند الفرنسيون إنقاذه.. واشتعلت الثورة واشتعل الجنود الفرنسيون وحشية وانطلقت الحشود إلى الجامع الأزهر وبلغت الأعداد داخله أكثر من خمسة عشر ألفاً، بعد أن نشروا المتاريس المانعة فى كل الشوارع المؤدية إليه ولم يكن هناك بد من استعمال المدافع وأمر نابليون بضرب الأزهر بالمدافع ولو اقتضى الأمر هدمه على رؤوس المصريين ودمرت المدافع كثيراً من بيوت الغورية والفحامين وكاد الأزهر يهدم وقتل من المصريين فى القاهرة حوالى الأربعة آلاف منهم الكثير من النساء ومن علماء الأزهر ثلاثة عشر عالماً ودخلوا إلى الأزهر بالخيول وربطوها فى الأعمدة وبجوار القبلة وكسروا القناديل وهشموا المكتبة ونهبوا بعض الودائع التى خبأها الناس خوفاً عليها وألقوا بالكتب والمصاحف على الأرض ونزعوا عن الطلاب الموجودين ملابسهم وقبضوا عليهم.. وبعد سلسلة من الفظائع خمدت الثورة.. وبعد شهور قليلة اندلعت مرة أخرى فى كل قرى ومدن مصر.. وكل بلدة لها قصة وبطولة وحتى أسوان فى أقصى الجنوب وكم فى تاريخ المصريين من أساطير حية لحب الوطن والتضحية السخية من أجله والتلاحم والاتفاق من قبل وسائل التواصل الحديثة بمئات السنين.. فعلاً شعب عجيب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق